<p>امتدادا لفكر الخرافة والأسطورة في الديانتين اليهودية والمسيحية .. اعرض هذه الدراسة لأبين إلى أي مدى تدنى فكر هاتين الديانتين عن الإله الخالق المطلقة للوجود .. سبحانه وتعالى ..!!!</p><p> وقبل البدء في هذه الدرسة ؛ ادعو الله ( سبحانه وتعالى ) أن يغفر لي هذا التجاوز اللفظي في استخدام لفظ الجلالة " الله " ( سبحانه وتعالى ) ـ فيما بعد ـ في مثل هذه الوثنيات الفكرية .. ولكن كان عليّ أن أروي الحدث بنفس نصوصه التي وردت في الكتاب المقدس ..!! هذا وقد ناشدت مرارا ، قداسة البابا شنودة الثالث ( بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ) ، وما زلت أناشده ، أن يرفع هذا اللفظ ـ الله .. سبحانه وتعالى ـ من نصوص الكتاب المقدس خصوصا أن هذا اللفظ لم يرد ذكره في الأصول الأولى للكتاب المقدس والتي كتبت باللغات : العبرانية والكلدانية واليونانية ، ولكن ـ وبكل أسف ـ بدون جدوى ..!!</p><p> كما ناشدت ـ سابقا ـ الدكتور عبد الصبور مرزوق ( رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية / في مصر ) بأن يتقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة المصرية لرفع هذا الاسم من الكتاب المقدس واستخدام اللفظ " يهوه " الذي جاء به الكتاب المقدس ، كمـا في النص المقدس التالي ..<br>[ (18) ويعلموا أنك اسْمُكَ يَـهْوَهُ وحْدَكَ العَلِىُّ على كُلِّ الأرْضِ ] <br>( الكتاب المقدس : مزامير {83} : 18 ) </p><p>ولكن ـ وبكل أسف ـ رفض .. وكانت حجته في ذلك أن قال لي : " كيف يعقل أن أتقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة أهدم به معتقدها ..!! " . وبديهي ؛ الذي لا يعقل أن نترك هذا العالم المسيحي يظل مخدوعا في ديانة لا تعرف لإلهها اسما ..!! وتستعير اسم إلهها من ديانة أخرى .. هي الديانة الإسلامية ..!!</p><p>وعموما سوف أتناول هذا اللفظ " يهوه " في مقال آخر مستقل ـ إن شاء الله ـ لبيان كيف تلاعبت الكنيسة بهذا اللفظ .. حتى يظل لفظ الجلالة " الله " هو اللفظ المستخدم في الكتاب المقدس ..!!</p><p><u><strong><font color="#ffa500">والآن إلى أحداث القصة الكاملة ..</font></strong></u></p><p> ففي هذه القصة .. يعطينا الكتاب المقدس معنى حرفيا جديدا للجهاد مع الله . حيث يقول أن " الجهاد مع الله هو نوع من المصارعة أو الإشتباك بالأيدى والأرجل بين الإنسان وبين " الله " مباشرة ( وجها لوجه ) على النحو الذى نراه فى المصارعة الحرة فى التليفزيون . حيث نرى النبي يعقوب ( عليه السلام ) قد قام بإمساك " الله " ـ ليغفر لنا الله مثل هذا التجاوز الفكرى واللفظى ـ وهو يتجول ليلا على سطح هذا الكوكب ( كوكب الأرض ) ، وكان فى صورة إنسان . حيث قام يعقوب بمصارعة الإله ( سوف استخدم كلمة " إله " بدلا من لفظ الجلالة " الله " كلما أمكن ) ليلة كاملـة ، لم يستطع الإله فيها الإفلات من يعقوب أو التغلب عليه .</p><p>ولم يذكر لنا الكتاب المقدس لماذا كان " الإله " يتجول على سطح هذا الكوكب ( أى كوكب الأرض ) ليلا ..؟! ولماذا بدأت هذه المصارعة ؟ ومن الذى بدأ التحرش بالآخر ؟ وماذا كان سبب هذه المعركة بالضبط ..؟! ولكن الكتاب المقدس يذكر لنا أن الصراع قد استمر بين يعقوب و" الإله " حتى جاوز الفجرعلى الطلوع ، ولما فشل " الإله " فى تخليص نفسه من بين يدى يعقوب فى هذه المصارعة الحرة ..!! طلب ـ الإله ـ صراحة من يعقوب أن يطلق سراحه لأن الصبح قد اقترب .. وعليه أن يعود إلى السماء ..!! وبديهى يرفض يعقوب أن يطلق سراح " الإله " ..!! ففرصه لن تعوض أن يمسك يعقوب بـ " الإله " ويطلقه بدون أن يملى عليه شروطه ..!!</p><p>وفعلا يملى يعقوب شرطه على " الإله " ..!! وهو أن يباركه ..!! . ولم يجد " الإله " بدا من الرضوخ ليعقوب وشرطه ، وإلا فلن يستطيع الفكاك من بين يديه ( أى من بين يدى يعقوب ) ..!! ويبارك " الإله " يعقوب ـ بداهة ـ وهو مكره ..!! حتى يستطيع أن يخلص نفسه من هذا المأزق الحرج ، فالصبح قد اقترب وكان عليه ـ أي كان على الإله ـ أن يعود إلى السماء قبل بزوغ الشمس ..!!</p><p>ولم يذكر لنا الكتاب المقدس لماذا كان " الإله " حريصا على أن يطلق يعقوب سراحة قبل طلوع الشمس ..؟!! ولنفسح المكان ـ الآن ـ للنصوص المقدسة ، وتفسير قداسة البابا شنودة الثالث ( بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ) لهذا الحدث الجلل .. الذي أمسك فيه الإنسان بـ " الله " ..</p><p>[ (22) ثم قام ( يعقوب ) فى تلك الليلة وأخذ امرأتيه وجاريتيه وأولاده الأحد عشر وعبر مخاضة يبوق ( Jab'bok ) (23) أخذهم وأجازهم الوادى وأجاز ما كان له (24) فبقى يعقوب وحده . وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر (25) ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه . فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه (26) وقال أطلقنى لأنه قد طلع الفجر . فقال لا أطلقك إن لم تباركنى (27) فقال له ما اسمك . فقال يعقوب (28) فقال لا يدعى اسمك فى ما بعد يعقوب بل إسرائيل . لأنك جاهدت مع الله ( God ) والناس وقدرت (29) وسأل يعقوب وقال أخبرنى باسمك . فقال لماذا تسأل عن إسمى . وباركه هناك (30) فدعا يعقوب اسم المكان فينيئيل . قائلا لأنى نظرت الله ( God ) وجها لوجه ونجيت نفسى (31) وأشرقت له الشمس إذ عبر فينوئيل وهو يخمع على فخذه ]<br>( الكتاب المقدس : تكوين {32} : 22 - 31 )</p><p>وكلمة " إنسان " فى هذا النص هنا تعود على " الصورة التى ظهر بها الله ليعقوب " ولا تعني مجرد إنسانا عاديا . ويتضح هذا المعنى جليا من النص [ ... لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت ] ، وقدرت بمعنى أنك تغلبت على " الله " ..!!! ويتضح هذا المعنى كذلك من النص [ فدعا يعقوب اسم المكان فينيئيل . قائلا لأنى نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسى ] .</p><p> وعلى الرغم من وضوح هذه المعاني فى النصوص ، والتى لا تحتمل التفسير بغير هذا المعنى ، إلا إننى والحق وقفت طويلا متأملا هذا النص ، مترددا فى قبول فكرة صراع يعقوب مع " الله " . فكنت أخشى أن أتهم بإسائة فهم هذا النص فيصبح هذا مأخذا عليّ ، لأنى لم أتحر الدقة الكافية قبل الكتابة فى هذا الشأن . وأعتقد أن خطأ كهذا ليس من السهل عليّ أن أغفره لنفسي ، فما بالك بأهل العقيدة أنفسهم ، وأنا أتجنى عليهم بمثل هذا التجنى ..!!</p><p>ولم يمهلنى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وقتا طويلا فى هذه الحيرة ، فقد ساق إليّ تفسير هذا النص على لسان قداسة البابا شنودة الثالث " بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية " عندما سأله واحد من شعب الكنيسة قائلا : </p><p>قرأت فى أحد الكتب أن الذى صارعه يعقوب هو ملاك وليس الله ، فما هى الإجابة السليمة ؟<br>فيرد قداسته بالرد التالي في مرجعه : " سنوات مع أسئلة الناس ـ الجزء السابع . ص 33 - 34 / كاتدرائية العباسية " ( رقم الإيداع بدار الكتب : 4456/1993م ـ الترقيم الدولي : I.S.B.N : 977- 5345 – 07 - 3 ) .</p><p>[ الذى صارع يعقوب هو الله للأسباب الآتية : </p><p>1. غير الله إسمه من يعقوب إلى إسرائيل . ولا يملك الملاك الحـق فى أن يغير اسم إنسان .<br>2. قال له الله فى تغيير إسمه " لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت " ( تك 32 : 28) . قال له هذا بعد أن صارعه . فما معنى " مع الله ... وغلبت "<br>3. يقول الكتاب " فدعا يعقوب إسم المكان فينيئيل قائلا " لأنى نظرت الله وجها لوجه ، ونجيت نفسى " ( تك 32 : 30 )<br>4. إصرار يعقوب أنه لا يتركه حتى يباركه ، أمر خاص بالله . لأنه لم يحدث فى التاريخ أن إنسانا صارع ملاكا لكى يباركه . وفعلا نال البركة وتحققت .<br>5. كون أن الذى ظهر له ، ضرب حق فخذه ، فانخلع فخذه ، وصار يخمع عليه ( تك 32 : 25 ، 31 ) . هذا لا يحدث مع ملاك . الملاك لا يضرب إلا إذا أخذ أمرا صريحا بذلك من الله ، وبخاصة لو كان يضرب أحد الآباء أو الأنبياء .</p><p>أما عبارة " صارعه إنسان حتى طلوع الفجر " ( تكوين 32 : 24 ) فمعناها أن الله ظهر له فى هذه الهيئة . ]<br>( انتهى رد قداسة البابا شنودة الثالث )</p><p>وبناء على هذا ، فإن الفكر المسيحى واليهودى معا ( لأن القصة وارده فى العهد القديم أى فى الجزء المشترك بين الديانتين ) يقول بأن النبي يعقوب قد صارع " الله " طوال الليل ، ولم يستطع " الله " الإفلات من قبضتة ( أى من قبضة يعقوب ) إلا بشرط خاص قد أملاه عليه يعقوب ، وهو أن يباركه الله . وقد قبل " الله " فعلا هذا الشرط ـ كما يبدو ـ تحت ضغط التهديد الإنسانى له وضغط الحاجه ، حتى يضمن أن يطلق يعقوب سراحة قبل طلوع الفجر .</p><p>كما يعطى لنا هذا الفكر معنى حرفيا لمعنى " الجهاد مع الله " : بأنه الإشتباك بالأيدى والأرجل مع " الله " فى مصارعة حرة على النحو الذى نراه فى المصارعة الحرة بالتليفزيون .</p><p>ويؤكد هذا المعنى أيضا النص باللغة الإنجليزية ، كما يأتى فى " الكتاب المقدس : " نسخة الملك جيمس : The Holy Bible , King James Version " ، كالنحو التالى :</p><p>[ (24) And Jacob was left alone; and there wrestled a man with him until the breaking of the day ] <br>( The Holy Bible , King James Version : Genesis {32} : 24 )</p><p>وهنا تذكر كلمة ( wrestled ) بوضوح ، أى أن يعقوب قد قام بمصارعة الرب على نحو المصارعة الحرة ( wrestling ) التى نراها بالتليفزيون ، أي الإشتباك بالأيدى والأرجل مع الله . وهنا يصل التصور المسيحى واليهودى معا إلى الحضيض الفكري عن " الله " ، للأسباب الثلاثة التالية :</p><p>أولا : جعل هذا الفكر قدرة " الله " دون قدرة " الإنسان " ، حيث لم تسعفه هذه القدره ـ كما رأينا ـ للتحول مرة أخرى من " إنسان " إلى " إله " عندما أمسك به يعقوب ، وبذلك لم يستطع أن يخلص نفسه من هذا المأزق .</p><p>ثانيا : جعل هذا الفكر قوة " الله " دون قوة " الإنسان " ، حيث لم يستطع " الله " بإستخدام قوته المطلقه من إطلاق سراح نفسه من قبضة يعقوب ، مما دعاه إلى استجداء يعقوب صراحة لإطلاق سراحه .</p><p>ثالثا : جعل هذا الفكر أيضا مشيئة " الإنسان " فوق مشيئة " الله " ، فقد كان يعقوب يملك ألا يطلق سراح الرب ، فإن شاء أطلق وإن شاء أمسك . وقد كان هذا الإطلاق المشروط بالمباركة كما رأينا . وهكذا .. إنتزع يعقوب البركة من " الله " ( رغم أنفه ) . ولنا أن نتساءل ما هو الحال إذا قرر يعقوب الإحتفاظ بـ " الإله " وعدم إطلاق سراحه ..!!</p><p> وأعتقد إن فكرا كهذا قد فاق الفكر الأسطورى فى خياله . فإننا نجد أن الأسطورة قد قصرت صراع الألهة على نفسها ، أى فيما بينها وبين بعضها البعض . فلم يحدث أن قالت أسطورة بصراع أحد الألهة مع إنسان ، ولم يستطع هذا الإله ـ ذو الحظ العاثر ـ فكاكا من ـ أو التغلب على ـ هذا الإنسان الفائق القدرة أو السوبر . فغالبا ما كانت الأسطورة تحتفظ بالحد الأدنى من الفكر القائل : بأن الحد الأدنى من قدرة أضعف الآلهة لابد وأن يتجاوز الحد الأقصى لقدرة أقوى البشر ، وإلا تداخلت أمور العوالم ( أى عالم الآلهة والعالم الإنسانى ) واختلطت أحداث العالمين بشتى المتناقضات ، حتى على مؤلف الأسطورة نفسه ..!!!</p><p>• سياحة سريعة في أبعاد الكون السحيقة ..</p><p>كان يجدر الإشارة هنا ـ باختصار شديد جدا ـ إلى بعض الأبعاد التى يصعب تخيلها لكوننا هذا ، حتى يتبين لنا من هو " الله " ـ سبحانه وتعالى ـ خالق هذا الوجود ، والذى كان يتمشى على سطح الأرض والذي أمسك به يعقوب .. وتصارع معه فى هذه القصة ..!!</p><p>فالشمس بكواكبها التسعة تسبح فى دائرة من الفضاء ، يقطع الضوء قطرها فى زمن قدره (11) ساعة تقريبا . وسرعة الضوء كما نعلم هى ( 300.000 ) كيلومتر فى الثانية الواحدة ( تقريبا ) ، وهى سرعة تكفى لجعل شعاع الضوء يدور حول الكرة الأرضيه حوالى سبع مرات ونصف المرة فى الثانية الواحدة ( بالضبط : 7.48 مرة ) . </p><p>والشمس هى أحد نجوم مجرتنا ، أي الجزيرة الكونية ، التى تعرف بإسم " الطريق اللبنى : The Milky Way " . وقطر هذه المجرة يقطعه الضوء فى زمن قدره ( 100.000 ) سنه ( أى مائة ألف عام ) . ومجرتنا هذه تكوّن مجموعة " عنقوديه : Cluster " مع حشد آخر من المجرات شبيه لها ( حسب آخر تقدير ، حوالى 35 مجرة تقريبا ) يعرف باسم " المجموعة المحلية : The Local Group " . وأشهر مجرات المجوعة المحلية هى " مجرة المرأة المسلسلة أو الأندروميدا : The Andromeda " ، وسحابتى ماجلان الصغرى والكبرى . وهذا الحشد المجرى للمجموعة المحلية يحتل حيزا من الفضاء ( مكعب مثلا ) طول ضلعة يقطعه الضوء فى زمن قدرة حوالى (6.52 ) مليون سنة ( أرضية ) .</p><p>وهذا الحشد المجرى للمجموعة المحلية ، يكون مع حشود مجرية أخرى مماثلة له ، ما يسمى بـ " الحشد الفائق : Super cluster " " الذى يعرف بإسم " أبل-7 : Abel-7 " ( نسبة إلى مكتشفة الدكتور جورج أو. أبل : Dr. George O. Abel فى عام 1961 ، من جامعة كاليفورنيا ) . وهذا الحشد المجرى الفائق يحتل حيزا من الفضاء ( مكعب مثلا ) ، يقطع الضوء طول ضلعه فى زمن قدره حوالى ( 300 ) مليون سنة ( أرضية ) . كما تكوّن هذه الحشود المجرية الفائقة بدورها حشود مجرية أعلى ..!!! تعرف بإسم " الجاذب العظيم : The Great Attractor " ..!! وهكذا ..!! وتقول الدراسات الكونية الحديثة بأن قطر الكون المادى يبلغ طولا يقطعه الضوء فى حوالى ( 40.000 ) مليون سنة أرضية ( أى أربعون بليون سنة ) . كما وإن عمر هذا الكون على حسب الدراسات الكونية الحديثة يتراوح بين ( 14 إلى 20 ) بليون سنة أرضية ، وأن هذا الكون مازال يتمدد ..!!</p><p>وهذه عجالة سريعة عن أبعاد الكون المذهلة ، التي لا يمكن حتى تخيلها ...!! وهذا الكون هو أحد مخلوقات الله ، وليس كل الوجود . فالوجود مكون من هذا الكون ، ومن أكوان أخرى متطابقة أو موازية ـ كلٍ له فيزياؤه الخاصة به ـ كما يقول بهذا القرآن المجيد . ويمكن للقاريء المهتم بهذه التفاصيل الفلكية ، وعن النموذج القرآنى للكون المادى ، والأكوان المتطابقة أو الموازية الأخرى الرجوع إلى مرجع الكاتب السابق : [ الدين والعلم .. وقصور الفكر البشرى ] / مكتبة وهبة / القاهرة . </p><p>وإلى حديث آخر إن شاء الله ..</p>